الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه؛ وبعد:
فقد فشا في زماننا القلم وكثر الكتاب مصداقاً لخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ونتج عن هذه الكثرة الكاثرة سلبيات جمة منها تكلم الرويبضة في أمر العامة وانتشار غثاء الكتابة من كتابٍ يريدون العلو والظهور ولو على طريقة الأعرابي الذي لطخ الكعبة_ شرفها الله _ بالقاذورات قائلاً : ” أحببت أن أذكر ولو باللعنة ” . وقد أردت أن أرقم بعض ما يعين الناشئ والشادي على إتقان صناعة الكتابة راجياً من القراء التفاعل الإيجابي وإبداء ما لديهم من ملحوظات.
خطوات الكتابة الأدبية والفكرية الراقية:
1. إخلاص النية لله تعالى ونبل المقصد ذوداً عن الحق ودحضاً للباطل؛ مع الدعاء بالسداد والقبول والاستعانة الدائمة بالله والتوكل عليه في بلوغ الغايات العالية. 2. حدد ما هو الهدف من الكتابة: تعليمي، إخباري، حواري… ، و اختر الطريقة المناسبة لعرض الموضوع: رمزية، مباشرة، مقالة، خاطرة… 3. ما هي نوعية الكتابة: علمية، أدبية، فكرية، جادة، ساخرة… ؛ ومن هي الشريحة المستهدفة ؟ثم يطول الموضوع أو يقصر حسب نوعه وطبيعة المتلقي والمساحة المتاحة. 4. لا تنشر الكتابة مباشرة ؛ فلا بد من تنقيحها وقراءتها في أحوال مختلفة خاصة قبل النوم “لإعمال العقل الباطن ” ، ثم اعرضها على الثقات للمشورة خصوصاً في بدايات الكتابة . وعلى الكاتب متابعة تصحيحات الناشر ليستفيد منها إن كانت من ثقة معتبر . 5. تعرف على الأحوال المناسبة للكتابة : زمانية ومكانية ونفسية وجسدية ؛ ولكل كاتب طبع وطبيعة يحسن به مراعاتها حتى لا يختنق إبداعه وتجف منابع عطائه . 6. كتابة التاريخ في نهاية كل موضوع ليتتبع الكاتب مراحل تطوره الكتابي ورقيه الفكري، وكم من كتابة كنا نراها فريدة عصرها فلما قرأناها بعد مدة عجبنا من سذاجتها. 7. حتى تكتب بتفوق لا بد أن تقرأ بتذوق؛ فلن تكون كاتباً بارعاً حتى تصير قارئاً مميزاً. واعلم _ غير معلم _ أن القراءة وظيفة يومية ينبغي إتقانها. انظر _ غير مأمور _ كيف تقرأ كتاباً للمنجد ؛ القراءة المثمرة لبكار ؛ معالم في طريق الطلب للسدحان ؛ المشوق إلى القراءة للعمران ، وغيرها من بابتها كثير . واتخذ كتباً لتنظر فيها إن استغلق عليك فكر أو عجزت عن بيان أو قصرت مفرداتك عن بلوغ غاياتك . 8. استقرئ أساليب الكتابة عند مشاهير الكتاب وكبارهم – قديماً وحديثاً – ؛ لتستفيد منها دون تقليد أحد منهم حذو القذة بالقذة ؛ وأبحث عن أمراء البيان وأساطينه ولا تضع وقتاً مع من دونهم . 9. استخدم أفصح لغة دائماً وابذل وسعك وجهدك في ذلك، وقد قيل: “لم يسمع من الشافعي كلمة وفي العربية أحسن منها في مكانها ” وقريب منه ما حُكي عن المتنبي في بعض شعره. ولا يكن معناك تابعاً للفظك ولا تتكلف ما يثقل القارئ ويشق عليه من سجع ومحسنات . 10. كن حريصاً على تطبيق قواعد النحو محافظاً على قانون اللغة وسنن اللسان العربي القويم؛ وحاذر اللحن والهجين والعامية فهي أقبح من الجدري في الوجه الحسن. وللمزيد انظر معجم الأخطاء الشائعة لمحمد العدناني وتذكرة الكاتب لأسعد داغر. 11. العناية بالإملاء وعلامات الترقيم ؛ فهي زينة الكاتب وحلية الكتابة ، ولتنظر في ذلك : قواعد الإملاء والترقيم لعبد السلام هارون ؛ علامات الترقيم لأحمد زكي باشا ؛ التحرير العربي للفريح وشوقي . 12. يحسن بالكاتب ألا يتخم مقاله بعلامات الاستفهام والتعجب والنقط المتتابعة والأقواس الفارغة وأمثالها، وإن كان لا بد فلتكن ملح طعام لا طعاماً بلا ملح. وسبب النهي عن الإكثار منها كونها كالبهرج الزائف يخدع بها الغر دون الحصيف وتدل _ غالباً _ على غوغائية الكاتب وخوائه وفراغه حيث يتقاطع مع الطبل في الانتفاخ الخارجي والفراغ الداخلي . 13. تزيين الكتابة بالشواهد من القرآن والسنة والأقوال الخالدة والأمثال والشعر؛ مع ضرورة العناية بصحة النقل وتمييز المنقول. ويلاحظ أن الأمثال والحكم غدت بياناً غائباً عن الساحة الثقافية خاصة لدى جيل الشباب؛ ولذا انصح بقراءة هذه الكتب: معجم الأمثال العربية د. عفيف عبد الرحمن ؛ قاموس الأمثال والحكم العالمية سمير شيخاني ؛ معجم التراكيب اللفظية د.أحمد أبو سعد ؛ معجم الأمثال والتراكيب د. محمد حسن الشريف ؛ موسوعة الأمثال العربية د.إميل يعقوب، وكذلك الكتب التي اعتنت ببيان كنايات العرب ككتاب المنتخب من كنايات الأدباء وإشارات البلغاء للقاضي أبي العباس الجرجاني,وغيرها . 14. احرص على تكوين ثروة لغوية واسعة ، وليكن لك نظر دائم وإطلاع مستمر في المعاجم كالقاموس المحيط ” طبعة الرسالة “واللسان ” طبعة دار صادر “وتاج العروس ” الطبعة الكويتية ” ومعجم المقاييس لابن فارس ” طبعة دار الجيل “وفقه اللغة للثعالبي وإكمال الإعلام لابن مالك ” طبعة جامعة أم القرى ” وجواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر والألفاظ الكتابية للهمداني ، وغيرها . وانظر في مقامات الحريري والسيوطي ففيهما كنز لمن طلبه . 15. كن دقيق الملاحظة بعيد النظر متجاوزاً الحدث إلى ما وراءه ، واستفد من الأحداث المألوفة لكتابة غير مألوفة ، وانظر مثالاً على ذلك مقالتين بعنوان ” بين خروفين ” و ” بين هرين ” للرافعي في وحي القلم ؛ واستمع إلى خطبة رمضانية عجيبة عبر منبر الحرم عن الشيطان للشيخ د. سعود الشريم . 16. لا تطرح فكرة إلا بعد وضوحها في ذهنك وإلمامك بكافة جوانبها مع الإيمان القوي بمضمونها ؛ وحتى يتحقق ذلك فلابد من استيعاب الموضوع من خلال مراجعه ودراساته ؛ ولا تتكئ على نفسك دون النظر في المصادر المعتمدة لتدرك أبعاد الموضوع والآراء المختلفة حوله . 17. اهتم بالتجديد والإبداع ولا تكن كابنة الجبل _ الصدى _ ، وتجنب تكرار الكلمات والجمل والأفكار إلا ما كان لضرورة ملحة لأن التكرار مجلبة للملال . 18. التزم جانب الهدوء وحسن الأدب وابتعد عن التشنج والانفعال؛ وتوقع المعارضة والمخالفة لرأيك وربما سوء الفهم لمقالك. 19. ابذل وسعك واستفرغ جهدك لاختيار عنوان جذاب مميز؛ وكن لطيفاً في الاستهلال وقوياً في الختام ؛ ولا تحرم قارئك من وسيلة للتواصل بسؤال أو اعتراض أو استيضاح . 20. دع القلم يجري خاطاً مداده على القرطاس ، وإياك إياك والتوقف ؛ فإن الماء إذا ركد أسن ، ولا تستعجل النشر أو تستبطئ الثمرة ؛فمن كانت همته عالية ؛ فسيبلغ حتماً مكانة عالية .
|