الأخبار

أطفالنا بين غياب الدور التربوي والإهمال الأسري

 

أطفالنا بين غياب الدور التربوي والإهمال الأسرى

 

بقلم د. حسين عبد الرزاق كريبة

تهتم الشعوب المتحضرة فى العالم اليوم بالطفولة وتوفر للمؤسسات التربوية التي تهتم بالأطفال كل أشكال الدعم المالي والمعنوي. وتتواصل تلك المؤسسات مع الأبوين من أجل توفير الإرشاد التربوي لهم، كما أنها تهتم بتوفير كافة وسائل الترفيه للأطفال. أما بالنسبة للشعوب النامية فلا يتوفر لأطفالها المناخ المناسب للتفاعل الإيجابي مع المحيط الاجتماعي كما أن غياب التوجيه التربوي السليم لسلوك الأطفال يسبب لهم العديد من المشاكل النفسية.

فمراحل الطفولة الأولى مهمة فى تكوين شخصية الطفل وغرس كل سلوك حسن كحب الوالدين والأقارب واحترام الكبار ومحبة الوطن ودفع الطفل إلى أن يكون له دور فى الحياة وأن يكون له طموح، وزرع مثل هذه السلوكيات فى شخصية الطفل عن طريق التوجيه الهادف والقدوة الحسنة وإعطائه الفرصة للإطلاع وتكوين انطباعات إيجابية عن السلوكيات الحسنة هو المفتاح لإعداد الطفل لمراحل الحياة اللاحقة. فبيئة الطفل تلعب الدور الأكبر فى التكوين النفسي والعقلي والسلوكي السليم للطفل.

 

ولا ننسى دور عقلية بعض الآباء  والأمهات فى قمع شخصية الطفل حيث يرى البعض أن لعب الأطفال هو نوع من العبث والدلال الزائد دون الوعي الكافي بأن تلبية احتياجات الأطفال المرحلية والتي تتناسب مع رغباتهم واستعداداتهم هو اللبنة الأولى لبناء جميع الجوانب الشخصية للطفل.

 

فى العالم الغربي تنتشر المنتزهات بما تحتويه من ألعاب للأطفال فى كل مكان ولا أبالغ إذا قلت أنه عند خروج المواطن من منزله فإنه سوف يجد هذه المنتزهات والحدائق العامة فى كل مكان وعلى بعد على الأكثر مسافة لا يستغرق قطعها أكثر من عشرة دقائق مشي على الأقدام و فى كل الاتجاهات وهناك مراكز مغلقة بها متخصصون تربويون وتعمل على استقبال الأطفال فى المراحل التي تسبق رياض الأطفال.

 

الطفل يحتاج لقضاء الكثير من الوقت فى اللعب فبيئة اللعب هي مدرسة الطفل الأولى وتنوع الأنشطة والألعاب التي يقوم بها الطفل هي بمثابة مجموع المواد الدراسية التي يدرسها الطفل لكي يتعلم والتي تلعب الدور الأبرز فى الإعداد السليم للطفل للتعلم فى مؤسسات التعليم الرسمية.

 

كما أن الطفل لديه شحنات طاقة تحتاج للتفريغ ولديه حالة من الملل تحتاج للتنفيس ولذلك اللعب يحدث التوازن النفسي للطفل ويزيل الكثير من التوثر والقلق الذي قد يعكر مزاجه ويجعل مهمة توجيهه والتعامل معه لا تخلو من التعقيدات والصعوبات. لذلك نجد أن الهدوء الذي يميز شخصية الطفل بعد فترات اللعب يجعل منه مطيعا لوالديه ومتقبلا للأوامر وخصوصاً فى ظل التوجيه التربوي الفعال.

 

عند غياب وسائل التنفيس يشعر الطفل بالإحباط و يلجأ فى الغالب إلى التنفيس عن طاقاته والتعبير عن ذاته بشكل عشوائي الأمر الذي ربما يقوده إلى انتهاج العنف وسيلة للتعبير عن رغباته مما يضر به وبالآخرين من حوله فترى الطفل يقفز من أماكن مرتفعة و يعتدي بالضرب على الأطفال الآخرين ويقوم بغيرها من أعمال العنف كتكسير محتويات البيت. والغريب والمزعج فى الأمر أن يلجأ الآباء والأمهات للنهر والضرب والصراخ فى وجه الطفل كوسائل لإصلاح الخلل السلوكي لدى الطفل مما قد يدفعه إلى مزيد من العنف. إن ما نحتاجه اليوم هو فهم احتياجات الطفل والظروف النفسية المصاحبة للمرحلة التي يمر بها وكذلك نحتاج بشكل خاص لفهم تركيبته النفسية حتى نستطيع تبني أنجع السبل لمعالجة الإضطربات السلوكية لدى الطفل.

 

كما أننا يجب أن لا نغفل عن محاولة فهم العوامل البيئية المؤثرة فى توجيه وتشكيل سلوك الطفل. فالطفل يتأثر بسلوك من يحيط بهم حيث أنه يتعلم من أقرانه كل شئ سلبي كان أم إيجابي ولذلك عند وجود الطفل فى بيئة بها عنف فقد يساعد ذلك على خلق شخصية عنيفة. وكذلك نلاحظ فى المحيط الإجتماعي أن الكثير  من الكبار يكررون باستمرار على مسامع الطفل بعض الكلمات البذيئة والشتائم ويسمي الطفل بأسماء الحيوانات كنوع من الشتم والتحقير بغية نهر الطفل عن القيام بعمل معين. ذلك الأمر يجعل من كل هذه الألفاظ السيئة جزء من القاموس اللغوي للطفل بدلاً من توجيه الطفل نحو تعلم الألفاظ التي تعزز الثقة بالنفس وتدل على الإحترام.

 

كما أن الطفل يتأثر سلبا بالعنف الأسري والذي مرده إلى غياب التوافق بين الأب والأم ويتأثر كذلك بعدم إشباع حاجاته العاطفية. كل هذه الأمور تخلق حالة من الفراغ العاطفي لدى الطفل وتقلل من ارتباطه ببيئة البيت خصوصاً فى المراحل اللاحقة. فكثيراً ما نرى أن الشباب يميلون إلى عدم الإنسجام مع أفراد الأسرة والبحث عن تلك الأجواء الحميمية التي إفتقدوها فى محيط الأسرة. هذا يؤدي إلى تمرد الطفل على والديه وعدم إصغاءه إلى كل ما يصدر عنهم من أمر أو نهي.

 

كما أن “الدلال” الزائد للطفل مفسد للطبع حيث أنه يجعل الطفل يتعدى حدوده ويتولد لديه الشعور بالأنانية والرغبة فى امتلاك  كل ما يريد وفى أي وقت حتى ولو كان مكلف للأباء لأنه تعود على أن من حقه ذلك. هذا الدلال يولد عدم شعور الطفل بالمسؤولية والتعود على الإتكالية وعدم إحترام الأخرين.

 

وبقدر ما نوجه النقد لمؤسسات الدولة الرسمية بخصوص إهمال الطفل وبشكل ممنهج خلال العقود الماضية، يجب أن نعترف بغياب الوعي الإجتماعي الكافي بأهمية تلك المؤسسات. يجب على المجتمع بناء المرافق الترفيهية التي تلبي احتياجات الطفل وأن يسعى لتفعيل الدور الحقيقي لرياض الأطفال وإبراز أهمية الدور التربوي للمدرسة وخصوصاً فى مراحل الدراسة الأولى. كما أنه يجب على الأباء والأمهات مراعاة احتياجات الطفل النفسية والعاطفية وتوفير المناخ المناسب.

 

نقلا عن موقع الابناء ليبيا والعالم بين يك

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى